الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وأعلن القس «بارتلمى» اسم أحد النبلاء ليكون حارسًا للرمح، واستمرت طقوس العبادة من صوم وصلاة ثلاثة أيام دخل في نهايتها اثنا عشر رجلًا ليقوموا بالحفر والتنقيب عن «الرمح» في محراب الكنيسة!..لكن أعمال الحفر والتنقيب التي توغلت في عمق الأرض اثنى عشر قدمًا لم تسفر عن شيء. فلما جن الليل أخلد «النبيل» الذي اختير لحراسة الرمح إلى شيء من الراحة، وأخذته سنة من النوم، وبدأت الجماهير التي احتشدت بأبواب الكنيسة تتهامس..!..فاستطاع القس «بارتلمى» في جنح الظلام أن ينزل إلى الحفرة، مخفيًا في طيات ثيابه قطعة من نصل رمح أحد المقاتلين العرب، وبلغ أسماع القوم رنين من جوف الحجرة، فتعالت صيحاتهم من فرط الفرح، وظهر القس وبيده النصل الذي احتواه بعد ذلك قماش من الحرير الموشى بالذهب، ثم عرض على الصليبيين ليلتمسوا منه البركة، وأذيعت هذه الحيلة بين الجنود وامتلأت قلوبهم بالثقة، وقد أمعن قادة الحملة في تأييد هذه الواقعة بغض النظر عن مدى إيمانهم بها أو تكذيبهم لها.على هذا النحو، ولمثل هذا الغرض جرت أسطورة ظهور العذراء في كنيسة عادية، وكاهنها- فيما علمت- رجل فاشل لا يتردد الأقباط على دروسه.وبين عشية وضحاها أصبح كعبة الآلاف، فقد شاع وملأ البقاع أن العذراء تجلت شبحًا نورانيًا فوق برج كنيسته، ورآها هو وغيره في جنح الليل البهيم..وكأنما الصحف المصرية كانت على موعد مع هذه الإشاعة، فقد ظهرت كلها بغتة، وهى تذكر النبأ الغامض، وتنشر صورة البرج المحظوظ، وتلح إلى حد الإسفاف في توكيد القصة..وبلغ من الجرأة أنها ذكرت تكرار التجلى المقدس في كل ليلة.وكنت موقنًا أن كل حرف من هذا الكلام كذب متعمد، ومع ذلك فإن أسرة تحرير مجلة «لواء الإسلام» قررت أن تذهب إلى جوار الكنيسة المذكورة كى ترى بعينيها ما هنالك..وذهبنا أنا والشيخ «محمد أبو زهرة» وآخرون، ومكثنا ليلًا طويلًا نرقب الأفق، ونبحث في الجو، ونفتش عن شيء، فلا نجد شيئًا البتة.وبين الحين والحين نسمع صياحًا من الدهماء المحتشدين لا يلبث أن ينكشف عن صفر.. عن فراغ.. عن ظلام يسود السماء فوقنا.. لا عذراء ولا شمطاء..وعدنا وكتبنا ما شهدنا، وفوجئنا بالرقابة تمنع النشر..وقال لنا بعض الخبراء: إن الحكومة محتاجة إلى جعل هذه المنطقة سياحية، لحاجتها إلى المال، ويهمها أن يبقى الخبر ولو كان مكذوبًا..ما هذا؟!ولقينى أستاذ الظواهر الجوية بكلية العلوم في جامعة القاهرة، ووجدنى ساخطًا ألعن التآمر على التخريف وإشاعة الإفك، فقال لى: أحب أن تسمع لى قليلًا، إن الشعاع الذي قيل برؤيته فوق برج الكنيسة له أصل علمى مدروس، واقرأ هذا البحث.وقرأت البحث الذي كتبه الرجل العالم المتخصص الأستاذ الدكتور محمد جمال الدين الفندى، واقتنعت به، وإنى أثبته كاملًا هنا:ظاهرة كنيسة الزيتون ظاهرة طبيعية.عندما أتحدث باسم العلم لا أعتبر كلامى هذا ردًا على أحد، أو فتحًا لباب النقاش في ظاهرة معروفة، فلكل شأنه وعقيدته، ولكن ما أكتب هو بطبيعة الحال ملخص ما أثبته العلم في هذا المجال من حقائق لا تقبل الجدل ولا تحتمل التأويل، نبصر بها الناس، ولكل شأنه وتقديره..ولا ينكر العلم الطبيعى حدوث هذه الظاهرة، واستمرارها في بعض الليالى لعدة ساعات، بل يقرها ولكن على أساس أنها مجرد نيران أو وهج أو ضياء متعددة الأشكال غير واضحة المعالم، بحيث تسمح للخيال أن يلعب فيها دوره، وينسج منها ما شاءت الظروف أن ينسج من ألوان الخيوط والصور. إنها من ظواهر الكون الكهربائية التي تحدث تحت ظروف جوية معينة، تسمح بسريان الكهرباء من الهواء إلى الأرض عبر الأجسام المرتفعة نسبيًا المدببة في نفس الوقت، شأنها في ذلك مثلًا شأن الصواعق التي هي نيران مماثلة، ولكن على مدى أكبر وشدة أعظم، وشأن الفجر القطبى الذي هو في مضمونه تفريغ كهربى في أعالى جو الأرض، ولطالما أثار الفجر القطبى اهتمام الناس بمنظره الرائع الخلاب، حتى ذهب بعضم خطأ إلى أنه ليلة القدر، لأنه يتدلى كالستائر المزركشة ذات الألوان العديدة التي تتموج في مهب الريح..ومن أمثلة الظواهر المماثلة لظاهرتنا هذه أيضًا- من حيث حدوث الأضواء وسط الظلام- السحب المضيئة العالية المعروفة باسم «سحاب اللؤلؤ»، وهذا السحاب يضىء ويتلألأ وسط ظلام الليل، لأنه يرتفع فوق سطح الأرض، ويبعد عنها البعد الكافى الذي يسمح بسقوط أشعة الشمس عليه رغم اختفاء قرص الشمس تحت الأفق، وتضىء تلك الأشعة ذلك السحاب العالى المكون من أبر الثلج، فيتلألأ ويلمع ضياؤه ويترنح وسط ظلام الليل ونقاء الهواء العلوى فيتغنى به الشعراء..وتذكرنا هذه الظاهرة كذلك بظاهرة السراب المعروفة، تلك التي حيرت جيوش الفرنسيين أثناء حملة نابليون على مصر، فقد ظنوا أنها من عمل الشياطين حتى جاءهم العالم الطبيعى «مونج» بالخبر اليقين، وعرف الناس أنها من ظواهر الطبيعة الضوئية..وظاهرتنا التي تهمنا وتشغل بال الكثيرين منا تسمى في كتب العلم «نيران القديس المو» أو «نيران سانت المو»، ونحن نسوق هنا ما جاء عنها في دائرة المعارف البريطانية التي يملكها الكثيرون ويمكنهم الرجوع إليها: النص الإنجليزى فى: Handy Volume Essue Eleventh Edition الصحيفة الأولى من المجلد الرابع والعشرين تحت اسم: St. Elms Firs.. وترجمة ذلك الكلام حرفيًا:يران سانت المو: هي الوهج الذي يلازم التفريغ الكهربى البطىء من الجو إلى الأرض. وهذا التفريع المطابق لتفريغ «الفرشاة» المعروف في تجارب معامل الطبيعة يظهر عادة في صورة رأس من الضوء على نهايات الأجسام المدببة التي على غرار برج الكنيسة وصارى السفينة أو حتى نتوءات الأراضى المنبسطة، وتصحبها عادة ضوضاء طقطقة وأزيز..وتشاهد نيران سانت المو أكثر ما تشاهد في المستويات المنخفضة خلال موسم الشتاء أثناء وفى أعقاب عواصف الثلج..واسم سانت المو هو لفظ إيطالى محرف من سانت «رمو» وأصله سانت أراموس، وهو البابا في مدة حكم دومتيان، وقد حطمت سفينته في 2 يونيو عام 304، ومنذ ذلك الحين اعتبر القديس الراعى لبحارة البحر المتوسط الذين اعتبروا نيران سانت الموا بمثابة العلاقة المرئية لحمايته لهم، وعرفت الظاهرة لدى قدماء الإغريق. ويقول بلن Biln في كتابه «التاريخ الطبيعيى» أنه كلما تواجد ضوءان كانت البحارة تسميهما التوأمان، واعتبر بمثابة الجسم المقدس..على هذا النحو نرى أن أهل العلم الطبيعى لا يتحدثون عن خوارق الطبيعة، وإنما يرجعون كل شيء إلى قانونه السليم العام التطبيقى، أما من حيث انبعاث ألوان تميز تلك النيران، فيمكننا الرجوع إلى بعض ما عمله العلماء الألمان أمثال جوكل Gockel من تفسير الاختلاف في الألوان، فهو يبين في كتابه Das gewiter من التجارب التي أجراها في ألمانيا أنه أثناء سقوط الثلج تكون الشحنة موجبة اللون الأحمر، أما أثناء تساقط صفائح ثلج فإن الشحنة ليست نادرة، ويصحبها أزيز، ويغلب عليها اللون الأزرق..وفى كتاب الكهرباء الجوية Atmospheric Electricity لمؤلفه شوتلاند صفحة 38 نجده يقول:..تحت الظروف الملائمة فإن القسم البارز على سطح الأرض كصوارى السفن إذا تعرضت إلى مجالات شديدة من حالات شحن الكهرباء الجوية يحصل التفريغ الوهجى ويظهر واضحًا ويسمى نيران سانت المو..قارن هذا بالأوصاف التي وردت في جريدة الأهرام بتاريخ/ 1968.. «هيئة جسم كامل من نور يظهر فوق القباب الأربع الصغيرة لكنيسة الزيتون أو فوق الصليب الأعلى للقبة الكبرى أو فوق الأشجار المحيطة بالكنيسة...» إلخ.«أما الألوان.. فقد أجمعت التقارير حتى الآن على أنها الأصفر الفاتح المتوهج والأزرق السماوى».وعندما نرجع بالذاكرة إلى الحالة الجوية التي سبقت أو لازمت الرؤية الظاهرة، نجد أن الجمهورية كانت تجتاحها في طبقات الجو العلوى موجة من الهواء الباردة جدًا الذي فاق في برودته هواء أوربا نفسها، مما وفر الظرف الملائم لتولد موجات كهربية بسبب عدم الاستقرار، ولكن فروق الجهد الكهربى يمكن أن تظل كافية مدة طويلة..ويضيف ملهام Milham عالم الرصد الجوى البريطانى في كتابه «المتيرولوجيا» صفحة 481 أنه أحيانًا تنتشر رائحة من الوهج وتفسيرنا العلمى للرائحة أنها من نتائج التفاعلات الكيماوية التي تصحب التفريغ الكهربي وتكون مركبات كالأوزون..وخلاصة القول أنه من المعروف والثابت علميًا أن التفريغ الكهربى المصحوب بالوهج يحدث من الموصلات المدببة عندما توضح في مجال كهربى كاف، وهو يتكون من سيال من الأيونات التي تحمل شحنات من نفس نوع الشحنات التي يحملها الموصل..والتفريغات الكهربية التي من هذا النوع يجب أن تتوقع حدوثها من أطراف الموصلات المعرضة على الأرض، مثل النخيل والأبراج ونحوها، عندما يكون مقدار التغير في الجهد الكهربى كافيًا، بشرط أن يكون ارتفاع الجسم المتصل بالأرض ودقة الأطراف المعرضة ملائمة، ومن المؤكد أن الباحثين الأول أمثال فرنكلين لاحظوا مجال الجو الكهربى حتى في حالات صفاء السماء..وتحت الظروف الطبيعية الملائمة التي توفرها الأطراف المدببة للأجسام المرتفعة فوق سطح الأرض قد يصبح وهج التفريغ ظاهرًا واضحًا..وقد ذكر «ولسون» العالم البريطانى في الكهربائية الجوية أن التفريغ الكهربى البطىء للأجسام المدببة يلعب دورًا هامًا في التبادل الكهربى بين الجو والأرض، خصوصًا عن طريق الأشجار والشجيرات وقمم المنازل وحتى حقول الحشائش. وليس من اللازم أن ينتهى الجسم الموصل بطرف مدبب أو يبرز إلى ارتفاعات عظيمة..وقد يتساءل الناس:-.. إن الظاهرة خدعت الأقدمين من الرومان قبل عصر العلم، ثم في عصر العلم فسر العلماء الظاهرة على أنها تفريغ كهربى، لكن التاريخ يعيد نفسه، فقد خدعت نفس الظاهرة الطبيعية أهل مصر، فأطلقوا عليها نفس الاسم الذي تحمله الكنيسة التي ظهرت النيران فوقها، ومن هنا ظن القوم خطأ أنها روح مريم عليها السلام..-.. الظاهرة الطبيعية تحدث في الهواء الطلق أعلى المبانى والشجر ولا تحدث داخل المبانى، وهو عين ما شوهد، ولو أنها كانت روح العذراء لراحت تظهر داخل الكنيسة بدلًا من الظهور على الأشجار والقباب..-.. الظاهرة الجوية يرتبط ظهورها ومكثها بالكهربائية الجوية، وعمومًا بالجو وتقلباته، فهل إذا كانت روحًا يرتبط ظهورها بالجو كذلك؟؟..-.. الظاهرة الطبيعية لا تشاهد إلا عندما يخيم الظلام، بسبب ضعف ضوء الوهج بالنسبة إلى ضوء الشمس الساطع. ولكن ما يمنع الأرواح الطاهرة أن تظهر بالنهار؟؟..-.. إذا كانت نفس الظاهرة تشاهد في أماكن أخرى في مصر فما الموضوع؟.وحاول الدكتور محمد جمال الدين الفندى أن ينشر بحثه في الصحف فأبت، والغريب أنه لما نشر في مجلة الوعى الإسلامى الكويتية منع دخولها مصر..
|